
تشير البيانات الصادرة عن مشروع المهاجرين المفقودين التابع لوكالة الأمم المتحدة إلى أنه إضافة إلى عدد الوفيات الإجمالي القياسي للمهاجرين، 82 شخصا، على طريق بحر المانش العام الماضي، فإن الأطفال بينهم عددهم قياسي كذلك، 14 طفلا مقارنة بوفاة طفل واحد العام الأسبق. في العام الماضي، سجل مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة أعلى عدد من الوفيات والأشخاص المفقودين في بحر المانش، حيث فقد 82 شخصا حياتهم، وكان منهم 14 طفلا على الأقل، وهو أيضا رقم قياسي.
كان عدد الوفيات في العام الماضي أكثر بثلاثة أضعاف من عدد الوفيات البالغ 24 المسجلة في عام 2023، كما أن عدد الأطفال الذين لقوا حتفهم أكثر بكثير من وفاة طفل واحد في عام 2023. وبين عامي 2018 و2024، تراوح عدد وفيات الأطفال في المانش بين حالة واحدة وخمس حالات في السنة. وفي عام 2025، تم تسجيل خمس وفيات، لا تتضمن أطفالا.
ولم يتم الكشف عن أسماء بعض الأطفال الأربعة عشر الذين لقوا حتفهم العام الماضي، ولكن من بين الذين تم نشر هوياتهم هم عبادة عبد ربه، 14 عاما، ومحمد الجباوي، 16 عاما، اللذان توفيا في نفس الحادث في 14 كانون الثاني/يناير.
وكان الاسمان قد وردا في صفحات محلية من جنوب سوريا نعت خمس متوفين حينها على فيسبوك، ومنها “شبكة درعا الإخبارية”، وهم الشبان “محمد جباوي من مدينة نوى وهو وحيد لأهله” و”الشاب أيهم مدين الشولي من مدينة نوى” و”الأخوين أيسر محمد عبد ربه وعبادة محمد عبد ربه من قرية الشيخ مسكين”.
ومن بينهم أيضا الطفلة رولا الميالي، البالغة من العمر سبع سنوات، من العراق، والتي توفيت عندما انقلب القارب الذي كانت على متنه مع عائلتها في قناة تصب في بحر المانش كانوا يسافرون على طولها بغية الوصول إلى بحر المانش. وكان المهربون قد تعمدوا اختيار نقاط انطلاق للمهاجرين أبعد من تلك المطلة على الشواطئ حيت تتواجد الشرطة بكثافة ما يجعلهم عرضة لمخاطر أكبر.
وهناك الطفلة سارة العشيقي، البالغة من العمر سبع سنوات وهي أيضا من العراق وتوفيت في 23 نيسان/أبريل. وكذلك مريم باهز، من كردستان العراق، والتي كانت تبلغ من العمر شهرا واحدا عندما انزلقت من بين يدي والدها في قارب مكتظ في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وأثار مسؤولون في المنظمة الدولية للهجرة مخاوف من أنه حتى عندما ينجو الأطفال من هذه الرحلات الصعبة، فقد يحدث انفصال عن ذويهم، ولا يتوفر سوى القليل جدا من الدعم لهم لإعادة توحيدهم معهم.
وقالت كريستا روتينشتاينر، رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في المملكة المتحدة: “إن العدد القياسي المرتفع للأطفال الذين لقوا حتفهم في القناة الإنكليزية العام الماضي هو جرس إنذار بأن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود. وبالنسبة لأولئك الذين تُعرف جنسيتهم، يمكنك أن ترى أنهم من بلدان مزقتها الحرب أو سياقات متقلبة للغاية”. وأضافة مطالبة “إننا في حاجة ماسة إلى طرق أكثر أمانا وانتظاما، كما يجب توفير الدعم المناسب للأطفال المنفصلين عن ذويهم الذين يبحثون عن عائلاتهم”.
وفي نهاية العام الماضي، أوصى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس باتخاذ خطوات ملموسة للحد من خطر وفاة المهاجرين أو اختفاءهم، بما في ذلك الوصول إلى المساعدات الإنسانية وتحسين جمع البيانات عن المفقودين.
ويحاول المهاجرون عبور بحر المانش من الشواطئ القريبة لمدينة كاليه شمال فرنسا سعيا للوصول إلى المملكة المتحدة رغم المخاطر الجمة على أحد أكثر الطرق التجارية البحرية اكتظاظا في العالم. وغالبا ما يكون هؤلاء قد رفضت طلبات لجوئهم في بلدان أوروبية فيرون في بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي فرصة أخيرة لتأمين حياة أفضل أو أنهم “دوبلينه” أي بصموا في بلدان دخول للاتحاد الأوروبي كاليونان وإيطاليا وإسبانيا، أو أن لديهم أقارب وأفراد من العائلة في المملكة المتحدة.
ويستغل المهربون حاجة هؤلاء المهاجرين ويستخدمون قوارب مطاطية صغيرة غير مهيأة لخوض هذه الرحلات الخطيرة ويرسلون إليها أعدادا كبيرة من المهاجرين، ففي السابق كانت هذه القوارب تحمل على متنها بين ثلاثين إلى أربعين مهاجرا لكن في الفترات الأخيرة باتت تحمل بين ستين إلى ثمانين شخص أو أكثر. ومهاجرون آخرون لا يملكون أي أموال لدفعها للمهربين يختارون وسائل للهجرة أكثر خطورة، من بينهم خصوصا سودانيون أو من بلدان أفريقية أخرى، يتسلقون خلف شاحنات تنقل على العبارات إلى بريطانيا، ما يعرضهم إلى الكثير من الحوادث والكسور إضافة إلى خطر الموت المضاعف.
وتقدر الجمعيات الإنسانية عدد المهاجرين المتواجدين في مخيمات بشمال فرنسا بنحو ألف شخص ينتظرون الفرصة المواتية لعبور بحر المانش، وتشير إلى أن ارتفاع حالات الوفيات لا يشكل رادعا بالنسبة لهم. ويعاني هؤلاء ظروفا صعبة وقاسية خصوصا في فصل الشتاء لا سيما أن بعضهم يبقى شهورا طوال ويحاول الكثير من المرات العبور دون التمكن من ذلك، إضافة إلى سياسة “صفر نقطة تثبيت” التي تطبقها الدولة وتفكك من خلالها المخيمات في عمليات مستمرة للشرطة تتواتر أحيانا كل يومين، وتضع الصخور في أماكن مختلفة خصوصا في وسط مدينة كاليه الشمالية الساحلية منعا لتثبيت خيام المهاجرين.